الأسير جورج عبد اللهلقد مرت أكثر من أربعة أشهر ونصف الشهر، والشعب الفلسطيني، بكل مكوّناته الاجتماعية والسياسية، يواجه اعتداءً جنونياً هائلاً في غزة، وعمليات عسكرية لا تقلّ فتكاً في الضفة الغربية حيث يلجأ المستوطنون العنصريون وجنود الاحتلال يومياً إلى أسوأ أشكال الفوضى، بهدف تكثيف عمليات الاستيطان، وجعل الظروف الحياتية للغالبية السكانية غير محتملة. تصاعدت الاعتقالات التعسّفية، واغتيال المناضلين، وتدمير المساكن وغيرها من الانتهاكات لتصبح جزءاً أكثر تكراراً في حياة كل الفلسطينيين في الضفة الغربية. بشكل طبيعي، تنحاز الدول الإمبريالية في الغرب بطريقة أو بأخرى إلى جانب الكيان الصهيوني، مُنظّمة حملةً دعائية تبرّر وتدعم هذه الحرب الصهيونية الإجرامية، وتنتقص طوال اليوم من القوى الرئيسية التي تعارض. هي تجرمّ بشكل خاص أي مبادرة تضامنية لمصلحة صراع الجماهير الفلسطينية وقواتها الرائدة.
البورجوازية الإمبريالية في هذا البلد، في الوقت الذي تحتفل فيه بإدخال شخصية بطولية من شخصيات المقاومة المناهضة للفاشية إلى «البانتيون»، تستند، بكل وقاحة، إلى «حق الدفاع المشروع» للمحتل الصهيوني في مواجهة مقاومة الحركة الوطنية الفلسطينية.
نادرة هي الأصوات في القوى الديمقراطية ــ الاجتماعية التي تذكر أنّ الاحتلال الاستعماري ليس له أي شرعية. فالاحتلال وجيش الاحتلال، مع كل ما يرافقهما من مظاهر، غير شرعيين بتاتاً. في المقابل، فإن المقاومة ضد الاحتلال بكل أشكالها، هي التعبير الأكثر شرعية والأكثر نبلاً لـ «حق الشعوب في تقرير مصيرها».

إن التطهير العرقي لأرض فلسطين وسكانها العنيدين هو أكثر من مجرد فشل

بالتأكيد، من الصعب جداً أن نفهم هذه الشرعية عندما يكون لدينا مكان خاص في رؤوسنا للماريشال بيتان أو الماريشال بيغو (مستعمر الجزائر) أو غيره من الماريشالات المشينين...
مع ذلك، أعزائي الصديقات والأصدقاء، الرفيقات والرفاق،
ربما يكون من المفيد التذكير بأنّ التضامن الدولي الفعّال هو سلاح ضروري في مكافحة الاستيطان المستمر في فلسطين وحرب الإبادة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً به. عبر هذا التضامن الفعّال، يمكننا المشاركة في تغيير موازين القوى هنا في بطن الوحش الإمبريالي، وفي أماكن أخرى في عملية بناء «الكتلة الاجتماعية التاريخية» الإطار الشامل والموضوع المحتمل للحركة الوطنية التحررية. بالطبع، لا يغيب عنكم أنه عبر تحركّكم التضامني الفعّال، اضطر أصحاب السلطة في رأس المال للتنازل ورفع حظر التظاهر لمصلحة التضامن مع الشعب الفلسطيني. بعبارة أخرى، رغم عملية زيادة الفاشية في هذا البلد، فإنّ مجرد تنظيم التضامن على الساحة الدولية يشارك، على نحو ما، في تعزيز «توحيد النضال» وتنظيم «الكتلة الاجتماعية التاريخية» من أجل أن يطرح المسألة كموضوع سياسي نشط...
إذا كانت الطبقة البورجوازية الإمبريالية تحتفل في هذه الأيام بإدخال مانوشيان إلى البانتيون بعد اعتماد «قانون الهجرة»، فإنها تسعى في المقام الأول إلى محو ودفن القيم التي يجسدها نضال وشهادة جميع المقاومين مثل مانوشيان.
أعزائي الصديقات والأصدقاء، الرفيقات والرفاق،
منذ بداية القرن العشرين وحتى يومنا هذا، لم يتوقف الشعب الفلسطيني عن مقاومة المشروع الصهيوني للاستيطان. عقودٌ عديدة من النضالات والتضحيات والمعاناة شكّلت عمق الهوية الفلسطينية. الآلاف من الشهداء والمعتقلين ومئات الآلاف من اللاجئين في المخيمات، سواء في فلسطين أو في الدول المجاورة، أسهموا بشكل كبير في تعقيد الظروف الوجودية للشعب الفلسطيني وبالتالي الظروف الموضوعية لمقاومته.
فعلاً، لم يكن إلا في إطار هذه «المقاومة التاريخية» التي يتأكد فيها ويزدهر بناء الموضوع السياسي المعادي للصهيونية. من خلال هذا الإطار تحديداً، يمكننا فهم تفاعل مكوناتها بشكل أفضل والعوامل المختلفة التي تشكل «الإرادة الجماعية» لتعزيز العمل المناهض للاستعمار (الصهيوني الإمبريالي). من خلال هذا المسار بأكمله، يمكن لنا اليوم فهم لماذا «لا يمكن لفلسطين إلا أن تنتصر» رغم كل ما يبدو على السطح خللاً ضخماً في توازن القوى: من جهة الكيان الصهيوني، هذا التمدد العضوي للإمبريالية الغربية، ومن الجهة الأخرى الجماهير الفلسطينية التي، منذ أكثر من قرن، تشكّل شعباً وتستمرّ حتى الآن، في تشكيل ديناميكية نضالية تتجاوز بكثير مجرد فلسطين التاريخية. هذا الشعب الذي كان عليه تحمّل المهام التي تترتب تاريخياً على كل الجماهير العربية، وخصوصاً في المشرق العربي، وجد نفسه لأكثر من قرن في مواجهة احتلال استيطاني من نوع خاص يمنعه من التنظيم الاجتماعي، مثل أي شعب آخر في المنطقة، من خلال ديناميكية صراع الطبقات في نظام إنتاج استعماري تقليدي.
هذا الشعب حطّم كل سياسة الاستيطان المستمرة منذ أكثر من قرن التي تعمل من خلال التعبير الصهيوني عن الغرب الإمبريالي. إن التطهير العرقي لأرض فلسطين وسكانها العنيدين هو أكثر من مجرد فشل. أكثر من نصف الشعب الفلسطيني يعيش اليوم في فلسطين التاريخية. لم ينجح التيار الصهيوني أبداً، ولن ينجح أبداً في كسر إرادة نساء ورجال وشبان وشيوخ الفلسطينيين العنيدين في قيادة النضال على جميع الجبهات من أجل تحرير فلسطين، كل فلسطين. إنه هذا النضال التاريخي عميق الجذور الذي يجدّد باستمرار الهوية الفلسطينية في الذاكرة الجماعية.
أعزائي الصديقات والأصدقاء، الرفيقات والرفاق،
على الرغم من هذا الاعتداء الإبادي الواسع النطاق ضد غزة في هذه الأيام، حيث تتم إضافة العشرات من الآلاف من الشهداء والجرحى إلى الدمار المروع الذي يعمّ كل مساحة قابلة للسكن في غزة، فإن المقاومة تبقى قوية وثابتة، وتحظى بحماية واعتماد من قبل الجماهير الشعبية.
لن تحمل غزة أبداً راية الاستسلام... لن تنجح الصهيونية ولا أي قوة إجرامية أخرى في كسر إرادة المقاومة في غزة.
لا يجب أن ننسى أبداً أن التاريخ النضالي التاريخي للشعب الفلسطيني، أي الفدائيين، خرج من أحشاء مخيمات اللاجئين في غزة، والضفة الغربية، والأردن، ولبنان. أكثر من أي وقت مضى، فإن هذه المقاومة ضد الإبادة هي الواعدة وتحمل وعد الفدائيين...
لتزدهر ألف مبادرة تضامنية لمصلحة فلسطين ومقاومتها الواعدة!
التضامن، كل التضامن مع المقاومين في سجون الصهاينة، وفي الزنازين الانفرادية في المغرب، وتركيا، واليونان، والفلبين، وفي أماكن أخرى حول العالم.
التضامن، كل التضامن مع الشباب البروليتاري في الأحياء الشعبية!
الرأسمالية لم تعد إلا مجرد بربرية، تحية لجميع من يعارضون بتنوع تعبيراتهم!
معاً أيها الأصدقاء والرفاق، ولا يمكننا أن ننتصر إلا معاً!
ستحيا فلسطين وبالتأكيد ستنتصر!
إلى جميعكم يا رفاقي وأصدقائي، تحياتي الثورية الحارة

https://www.al-akhbar.com/Palestine/377249